الخطاب الاستشرافيّ عند السيدة زينب بنت علي بن ابي طالب ( عليهم السلام )

Abstract

لقد جُبِل الأنسان على حب التطلع نحو المستقبل , والتأسيس لبناء استراتيجيات توصله الى تحقيق خطط وأهداف قد وضعها لرؤيته المستقبلية , بغير قصد التدخل في علم الغيب الالهي المختص به جل وعلا ، وهوما سُمّيَ بعلم الاستشراف , أو علم استشراف المستقبل .

ومن صور تمثيل هذا العلم مفهوم (الخطاب الاستشرافي) الذي اصبح حقلا معرفيا يربط بين علمين , علم اللسانيات وعلم المستقبل , فعلم اللسانيات علم حيّ مولّد لشتى العلوم والمعارف ، حيث " تسننت اللسانيات أعرافاً مستحدثة في توائج حقول المعرفة ,واحتضنت ولادة علوم تضافرية راسخة ما فتئت تتعدد وتتنوع " ويقابله علم المستقبل الواسع الذي يخترق افق المعارف الاخرى , وبهذا اصبح الخطاب الاستشرافي الجسر الرابط بين سلسلة اللغة والمستقبل.

ومما يميز هذا الخطاب عن غيره عدم كونه كلاماً انشائيا , لأن التطلع نحو المستقبل – كما ذكرنا- بحاجة الى وجود متكلم ذي قدرة ذهنية باستطاعته صياغة الاستراتيجيات ورسم الخطط المستقبلية , بمعنى أن  " يكون الخطاب صادراً من سلطة لها أذن صاغية من قبل الجمهور على المستويات كلها ", وهذا ما نلمسه في متن خطب سيدةٍ جليلة القدر , عظيمة المكانة , وارثة هذا العلم من سلالة طيبة طاهرة , مواكبة لحياة قائد همّه الاصلاح في أمة جده وفق منظوره الاستشرافي للمستقبل , ألا وهي السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (عليهم السلام) .

فخطبها تكشف عن  خطاب استشرافي دقيق , فهي تجمع ما يحصل من أحداث , وتحللها , وتعطي النتائج المستقبلية, ولعلّ ذلك يمثل حاكمية السلطة الدينية والانتقال الى مفهوم العقيدة الراسخة والمبنية على ثبات الصدق بما يحقق لدى المتطلع والسامع ما تؤول إليه مضامين الخطاب وانعكاساته المستقبلية ، فالشعور الديني مبني على الافتراض المسبق بأنّ السلالة النبويّة المطهرة والمتمثلة ببنت أمير البلغاء وسيد الأوصياء علي بن ابي طالب (عليهم السلام) هي امتدادُ طبيعيّ لرسالة الاسلام وما يتحقق منها لمفهوم الوعد والوعيد .

ولذلك سنحاول أن نبين الخطاب الاستشرافي في خطب السيدة زينب بنت علي عليها السلام, فضلاً عن مصادره , وبنيته, وعناصره ومدى تحققه في الواقع .