الممانعة النسوية وإزاحة الدوغمائيات الأبوية _دراسة في رواية (أنا أحيا ) ليلى بعلبكي

Abstract

يلزم البحث ظاهرة النسوية من أجل كشف الحاضنة الثقافية التي منحتها دلالة محددة في كل الأدبيات، ذلك أن ثنائية المذكر والمؤنث، وكل ما يتصل بعمليات التنميط الجنسي التي كرستها الثقافة الأبوية، ثم إعلاء شأن الجنس الذكوري على حساب جنس النساء طبقا لمعايير ثقافية واجتماعية وضع ضارب في القدم منذ تحول البشرية إلى حياة القنص والصيد البسيطة، ثم المحارب من أجل البقاء، والبطل الغازي.

بدأت صور استحواذ الرجل على المرأة ومحاولة قهرها اجتماعيا تظهر بصوره ملحوظة، من خلال فرض الخنوع والاستسلام على المرأة، وتقبلت البشرية هذا الوضع وكأنه أحد بديهيات الطبيعية، لغاية خاصة عندما رسخت الملاحم بعد الاساطير. وعليه أراد الفكر النسوي الانطلاق من قاعدة الاختلاف ، فالمرأة لا تعرف بوصفها نقيضًا للرجل، ولكن بوصفها مختلفة عنه.

ومن هنا حرص البحث على انتقاء نموذج روائي تمثلت فيه هذه الاشكالية، وهو (أنا أحيا) للكاتبة  (ليلى بعلبكي) . حيث شهد السرد العربي الحديث صعودا لافتًا للرواية النسوية، استجابة للوعي الأنثوي الذي عرف طوال التاريخ استبعادًا لا يمكن تجاهله، وتميزًا ضده يصعب إغفاله في المجالات كافة؛ فالآداب العربية القديمة ــــ شعرية وسردية ــــ كانت تموج بصورة المرأة الجارية التي اقتصر دورها على تقديم المتعة للرجل وإيجاز موضوع لذته. وندر الاهتمام  بها خارج هذه النمطية الموروثة، وقد تغلغلت الرؤية الأبوية الذكورية في مادة الأدب العربي، وصاغت دلالاته الكبرى، وفيه ظهرت علاقة المرأة بالرجل بوصفها تابعًا. وكل ذلك عطل لمدة طويلة  ظهور وعي أنثوي يمكن الثقافة ومنها الأدب أن تستقر على أسس متوازنة ومتفاعلة. ولا يستقيم ذلك إلا بتخطي الرؤية الانثوية بوصفها رؤية مشاركة وليس تابعة.

وعليه جاءت الدراسة في هيكل يتكون من مقدمة ومحورين أحدهما نظري وآخر تطبيقي، تبعتهما خاتمة تضمت أهم ما توصل إليه            البحث من نتائج.

فالمقدمة حاولنا فيها تقديم موجز ميسر في اشكالية البحث من خلال مهاد يوضح هذه الإشكالية الأزلية في مجتمعنا الشرقي خاصة.

لذا المحور الأول وسمناه بــــــــ( النسوية و الرهانات الذكورية) للوقوف على خلفيات الفكر النسوي، وبيان المسار العام لأطروحاته، وسجالاته مع الفكر الذكوري، وتجلياته في كثير من مجالات الثقافة الانسانية.

والمحور الثاني  كان بعنوان (تجليات الممانعة النسوية في رواية  (أنا أحيا ) إيمانا منا أن الرواية شكل تعبيري مرتبط بالحوار مع الآخر على اختلاف تجلياته ومناطقه، وهي وسيلة من وسائل إبراز الذات الأنثوية المتصلة بوصفها قيمة ايجابية. ومن جانب آخر تتميز الكتابة النسائية بحضور قوي للمرأة الساردة وليس المسرود عنها تلك التي تشعر دوما بضياع هويتها؛ لذلك تتعامل مع الكتابات الإبداعية انها إعادة فهم لذاتها ، أي قراءة لها وليست كتابة لها.

وقد اعتمدت الدراسة المنهج التفكيكي ؛ ذلك أن البحث يجده المنهج الأنسب للكشف عن الذات النسائية في النصوص السردية المعاصرة، وتأويلها طبقا لمنطلقات فكرية حديثة.

أما أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة تتمثل في أن الكاتبة الأنثى قد تجاوزت الآخر / الرجل الذي شكل حضوره ثيمة ملاصقة لتعبير الأنا الأنثوية عن ذاتها في كثير من الأجناس الأدبية على مرّ العصور، فقد خرجت الأنثى عن ذلك المحيط وهي تبحث عن هويتها الأنثوية في مجتمع لم يشعر بوجودها كائنا مستقلا. وتبحث عن هويتها الوجودية بشكل مستقل عن الرجل وتسخر امكانياتها الأنثوية لتحقيق ذلك الهدف.