الرحلة دلالاتها وأبعادها في التجربة الصوفية (الرؤية، الرمز، المرجعية) - قراءة تأسيسية –

Abstract

تبوأت الرحلة مكانة مميّزة في الدراسات النقدية الحديثة, وذلك لحضورها المكثّف في النصّ الأدبي شعراً ونثراً, إذ يتجلّى حضورها في القصيدة العربية الكلاسيكية في المقدمة, التي تعد ركيزة أساسية في هيكلية القصيدة وبنائها الفني عند النقاد, وهي حاضرة –أيضاً- في النثر وفنونه, ضمن جنس أدبي خاص يعرف بـ(أدب الرحلات) .

أمّا الرحلة عند الصوفية, فقد أخذت طابعاً رمزياً ومعنى عرفانياً يتصل بالمعرفة الحدسية (الذوقية) والكشف والتجلّي, وقطع عقبات النفس, والترقي في الأحوال والمقامات الصوفية, للوصول إلى حقيقة العلم بالله (تعالى) والاتصال بالأنوار والأسرار , وهو ما يعبّر عنه الصوفية بـ(الحضرة الإلهية), وهي غاية السالكين ومنتهى سير السائرين إلى الله (سبحانه), وهكذا تغدو الرحلة مرادفة لمفهوم التصوف.

والرحلة عند أهل الحقيقة على نوعين : الأولى, رحلة حسية جسدية (حقيقية), ويقصد بها -في غالبيتها- البُعد التربوي التطهيري في ترسيخ القيم السلوكية والدينية ومن أنماطها : الرحلة الحجازية (رحلة الحج), والسياحة الصوفية, ورحلة طلب العلم, والرحلة الزيارية, ورحلة البحث عن شيخ الطريقة (القطب). وأمّا الثانية, فهي رحلة روحية قلبية (رمزية), منفصلة كُلياً عن حيثيات الواقع الحسي للصوفي وسلوكياته وفيها يتفرّغ الصوفي السالك لرحلة روحية وسفر معنوي من خلال ترقّيه في المقامات العرفانية, والكشف عن الحقائق والاتصال بالأسرار والأنوار ، وهي رحلة رمزية تتحدّد مجالاتها وآفاقها داخل نفس الصوفي السالك وعوالمه ,  ومن أنماطها : سفر القلب, والمعراج الصوفي.  

وإذا كانت الرحلة في الأدب العربي –شعراً ونثراً- قد حظيت بأهمية لدى الأدباء والنقاد حتى اشبعت بحثاً ودراسة, فإنّ الرحلة الصوفية لا تزال من الموضوعات التي تحتاج إلى المزيد من الدراسات الجادة لسبر أغوارها وكشف أسرارها وتحديد مفاهيمها ومصطلحاتها, ومن هنا , جاءت هذه الدراسة لإضاءة بعض جوانب موضوع الرحلة في التجربة الصوفية, من خلال قراءة تأسس لمفاهيم الرحلة ودلالاتها وأنماطها ومرجعياتها وأبعادها الرمزية والعرفانية.